مقديشو، الصومال — في خطوة تاريخية تعكس تحولاً استراتيجياً في إدارة الأزمات، اختُتمت في العاصمة مقديشو المشاورة الوطنية حول خارطة طريق العمل الاستباقي (Anticipatory Action – AA) الصومالية. على مدار يومين، قادت الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث الصومالية (صـودما)، بالتعاون مع شركائها الدوليين والإقليميين، جهوداً مكثفة لبناء أول إطار عمل وطني على الإطلاق. والهدف هو تجاوز الاستجابة المتأخرة والتحرك نحو إجراءات مبكرة واستباقية، مما يعزز صمود المجتمع الصومالي في مواجهة المخاطر المتزايدة.
الكلمات الافتتاحية: من الاستجابة إلى الصمود
افتُتحت المشاورة بكلمات قوية شددت على أهمية هذا التحول الاستراتيجي في التفكير لإدارة الأزمات.
صرح ممثل برنامج الأغذية العالمي (WFP) في الصومال، السيد الخضر دالوم، بأن هذه الخارطة ستحدث تحولاً نوعياً في الحد من الأزمات الإنسانية، موضحاً أن “العمل المبكر يقلل التكاليف الإنسانية والاقتصادية وينقذ آلاف الأرواح.”
أشار ممثل منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (FAO) إلى أهمية دمج الحلول الزراعية والريفية في خطط العمل الاستباقي، مما يمكّن المزارعين والرعاة من مواصلة أنشطتهم حتى في ظل الظروف المناخية القاسية.
وبالمثل، أكد ممثل الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر (IFRC) أن التجربة الإقليمية أثبتت أن العمل الاستباقي يقلل من حجم الكارثة، مضيفاً أن هذا الجهد المشترك يعكس التزام المجتمع الإنساني الدولي بدعم الصومال.
أشار رئيس بعثة الإيغاد في الصومال، السيد محمود كارشي، إلى أهمية التعاون والتنسيق الإقليمي، قائلاً: “الأزمة المناخية لا تعترف بالحدود. العمل الاستباقي هو خطوة جماعية نتخذها، تعكس التزام الإيغاد ببناء منطقة مرنة في مواجهة الأزمات.”
من جانبه، أكد رئيس الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث الصومالية (صـودما)، السيد محمود معلم عبدالله، أن “الانتقال من الاستجابة لما بعد الكارثة إلى اتخاذ إجراءات استباقية قبل وقوع الكارثة يمثل تحولاً استراتيجياً يصب في مصلحة الشعب الصومالي.” وشدد على أن التحديات المتزايدة للجفاف والفيضانات والنزاعات تتطلب الآن نهجاً جديداً وفعالاً.
اليوم الأول: صياغة الرؤية وتحديد الركائز الاستراتيجية
شهدت جلسات اليوم الأول، 20 أغسطس 2025، مناقشات عميقة وتفاعلية، ركزت على تقييم شامل للوضع الراهن وبناء أساس الرؤية المستقبلية.
- تحليل الوضع الراهن والتحديات في الصومال: بدأت الجلسة بعرض تحليلي للتحديات الرئيسية التي تواجه الصومال، بدءاً من تغير المناخ وصولاً إلى النزاعات المحلية التي تسبب موجات من النزوح. ركز المشاركون على الدروس المستفادة من الأزمات السابقة وكيف أدت الاستجابة المتأخرة إلى تفاقم المشكلات الإنسانية.
- تحديد الفجوات المؤسسية والتمويلية: تم تسليط الضوء على العيوب في النظام الحالي، وخاصة غياب آليات التمويل المبكر وضعف التنسيق بين المؤسسات الحكومية وغير الحكومية. أكد الخبراء على الحاجة إلى بناء نظام متكامل يربط بين التنبؤات المناخية والتمويل والإجراءات الميدانية.
- توضيح الرؤية الوطنية: شهدت الجلسة نقاشاً ثرياً أدى إلى صياغة رؤية وطنية موحدة للعمل الاستباقي. اتفق المشاركون على أن الرؤية يجب أن تقوم على “عمل مبكر قائم على البيانات، يتم تمكينه بالتمويل، وتدعمه السياسات.”
- الركائز الأربع لخارطة الطريق: تم تحديد أربع ركائز رئيسية ستكون جوهر خارطة الطريق:
- الإنذار المبكر القائم على المخاطر: تطوير أنظمة قوية للتنبؤ بالأحداث المناخية مقدماً.
- التمويل الاستباقي: إنشاء آليات تمويل مرنة وسريعة لصرف الأموال بمجرد إصدار الإنذار.
- الاستجابة المبكرة: وضع خطط واضحة تحدد الإجراءات التي يجب اتخاذها قبل وقوع الكارثة.
- التنسيق المؤسسي والشراكات: تعزيز التعاون بين الوكالات الحكومية والمنظمات المحلية والشركاء الدوليين لضمان الاستخدام الأمثل للموارد.
اليوم الثاني: وضع خطة عمل قابلة للتنفيذ
انتقل اليوم الثاني، 21 أغسطس 2025، من المناقشات النظرية إلى التنفيذ العملي. تم تقسيم المشاركين إلى مجموعات عمل متخصصة لوضع آليات فعالة لكل ركيزة من الركائز التي تم تحديدها في اليوم الأول.
- تأطير التنسيق الوطني: تم اقتراح إنشاء لجنة تنسيق وطنية للعمل الاستباقي، تضم ممثلين عن هيئة إدارة الكوارث الصومالية، ووزارة الزراعة، ووزارة التخطيط، ووزارة البيئة وتغير المناخ، والوكالات الإنسانية. ستكون مهمة هذه اللجنة وضع خطط العمل، وتوحيد الجهود، وضمان تدفق البيانات إلى جميع الأطراف.
- آليات التمويل المستدام: تمت مناقشة عدة خيارات لضمان استدامة التمويل، بما في ذلك إنشاء صندوق وطني لتمكين توفر الأموال عند الحاجة. وتم التأكيد أيضاً على أهمية الشراكة مع المانحين الدوليين لضمان وصول التمويل في الوقت المناسب.
- تحديد الإجراءات والمسؤوليات: قدمت مجموعات العمل تفصيلاً للإجراءات المحددة لكل سيناريو من السيناريوهات المتوقعة. على سبيل المثال، تم تحديد الإجراءات التي يجب اتخاذها في حالة التنبؤ بالجفاف (مثل توزيع البذور المقاومة للجفاف، وتوفير المياه للرعاة).
- التكامل مع السياسات الوطنية: تم التأكيد على أن خارطة الطريق يجب ألا تكون وثيقة قائمة بذاتها، بل يجب أن تتكامل وتتماشى مع الاستراتيجيات والخطط الوطنية القائمة، مثل استراتيجية التنمية الوطنية وخطط التكيف مع تغير المناخ.
اختُتمت المشاورة بكلمة ألقاها مدير إدارة مخاطر الكوارث بهيئة إدارة الكوارث الصومالية، السيد خضر شيخ محمد، الذي أشاد بالجهود المبذولة، مؤكداً أن هذه المشاورة هي بداية مرحلة جديدة من العمل الجاد والمثمر.
0 Comments